كان صديقي القديم يعيش معي مثلما يعيش الظلّ قرب الجدار: صامتا، متعبا،
لا يطلب شيئا ولا يمنح شروحات إضافية.

رجل جاء من حياة يعرف فيها الناس معنى الفقر قبل أن يعرفوا معنى أسمائهم.
لم يكن في جيوبه الكثير… وأحيانا لم يكن فيها شيء على الإطلاق.

لكنّه كان يملك عبارة صغيرة،
عبارة أنقذته أكثر مما أنقذته أي صدقة أو أي فرصة جاءت متأخرة:
“ما تخافش… عندي واحد الخاتم ديال الذهب.
إلا وقعت شي حاجة، نبيعو وندوزو هاد الأزمة.”

كان يقولها بثقة رجل يملك خزانة لا تنتهي.
وكان يكررها كلما ضاقت الحياة:
حين لا يملك ثمن الخبز،
حين تتراكم الديون،
حين يضيع عمل،
وحين ينام الليل خائفا من الغد.

ولسنوات…
كنت أصدّقه.
أصدّق الطريقة التي كان يرفع بها حاجبيه،
أصدّق نبرة صوته الواثقة،
وأصدّق أن هناك حقا خاتما صغيرا،
ربما ملفوفا في منديل قديم،
مخبأ في جيب حقيبة لا يفتحها أحد.

في مجتمعنا، الذهب ليس زينة.
هو “خط النجاة الأخير”.
هو ما تخفيه الأم تحت الوسادة،
وتحتفظ به العائلات للمصائب،
وتخاف أن تلمسه إلا عندما تغلق كل الطرق.

لكن صديقي…
لم يكن يملك هذا الترف.
لم يكن لديه ذهب،
ولا مجوهرات،
ولا ميراث،
ولا حتى تذكار من طفولة بعيدة.
كان يملك الخاتم فقط كجملة.
كذبة صنعها لتمنحه شجاعة العيش…
لا أكثر.

أتذكر ذات يوم ..
كانت ليلة باردة،
والمدينة شبه نائمة،
وكان في صوته ارتعاش لم أسمعه من قبل.
جلس على طرف السرير وقال:
“المهم… ما تخافش.
عندي الخاتم.”

لكن عينيه هربتا من النظر إلي ..
كأنّه يخشى أن أرى الحقيقة خلف الجملة.

وفي صباح اليوم التالي،
عندما طلبت منه أن أرى الخاتم المزعوم،
اكتشفتُ الحقيقة بطريقة مؤلمة:
لا يوجد خاتم.
لا ورق.
لا ذهب.
لا شيء.
فقط رجل…
يحاول أن لا ينهار.

حينها فهمت.
فهمت أن الخيارات أمامه كانت أقل من أصابع يده.
وأحيانا… أقل من أصابع يد مبتورة.

صديقي لم يكن يحتاج ذهبا.
كان يحتاج خيطا صغيرا يتعلّق به،
رمزا،
وهما…
أي شيء يمنعه من الانهيار الكامل.

اليوم… كلما تذكّرت تلك الجملة،
لا أحزن على على الخاتم الذي لم يوجد.
أحزن فقط ..
على الضيق الذي يدفع إنسانا لأن يخلق لنفسه شيئا لا يملكه،
كي لا يسمع قلبه يقول له:
“لم يبقَ لك شيء.”

لكنّه كان يملك شيئا واحدا…
شجاعة البقاء.

وهذه، مهما خفت بريقها ..
كانت أغلى من الذهب كلّه.

وذلك الخاتم الذي لم يُصنع قط ..
كان أكثر صدقا من كل الذهب الحقيقي في العالم.