كان يفترض أن نذهب إلى شفشاون نهاية الأسبوع.
لكنّ الشاب التطواني قرر أن يسبق الرحلة بغداء مبكر.
قال لي بصوت مفعم بالحماس:
“سآخذك إلى مطعم إيطالي رائع، ستحبه.”

ابتسمت.
لم أشأ أن أُفسد عليه المفاجأة، رغم أن المطعم الذي يقصده أعرفه جيدا،
وأضعه في قائمتي الخاصة تحت تصنيف: “مطاعم متواضعة”.

جلسنا. كان المكان مزدحما بالعائلات ..
والنادل يبتسم بثقة من يظن أنه في ميلانو.

طلبنا Gratin Classica ومعكرونة Penne.
لكن يبدو أن الطاهي قرّر أن يضيف لمسته الفنية، فاستبدلها بـ fusilli طويلة.

النادل جاء معتذرا بابتسامة من النوع الذي يُستخدم لتغطية الجريمة.
أما أنا، فقد نظرت إلى الطبق كما ينظر القاضي إلى الأدلة.

أردت أن أقول الكثير، لكنّي تذكّرت أنني مع ضيف،
وبما أنني لا أحب أن أُخيّب ظنون الناس سريعا،
انتظرت حتى انتهينا، ثم ذهبت إلى الكاشير،

وقدّمت لهم، بكل لباقة، محاضرة مصغّرة في احترام رغبة الزبون.
كنت راضيا عن حجّتي،
إلى أن عدت إلى الطاولة ووجدت الشاب ينظر إلي، بنظرة هادئة فيها شيء من الأسف.

قال بصوت منخفض:

“كيف تملك طاقة لكل هذا؟ الحياة أكبر من طبق خاطئ.”

توقفت لثوان، وابتلعت آخر رشفة من الماء الذي فقد طعمه فجأة.

نظرت إليه، وقلت في نفسي:
ربما هو محق.

ربما عليّ أن أتعلم أن أستمتع بالطبق كما هو… طالما لم يُقدَّم باردا.
ربما لا تتعلق المسألة بالمعكرونة أصلا،
بل بفكرة أننا نقضي نصف عمرنا نحاول إصلاح التفاصيل والأخطاء،
وربما النضج، في النهاية، هو أن تبتسم وتتناول ما أمامك…
كما هو.