كان اليوم عاديا في بدايته، من تلك الأيام التي لا تتوقع منها شيئا.
كنا، أنا ووالدتي، في طريق العودة من طنجة.

ثم، في لحظة، قلتُ لها إننا سنتوقف في تطوان قليلا، لألتقي الشاب التطواني.
عرّفته على والدتي ببساطة، وتحدثت إليه كما أتحدث لأي شخص عابر في الشارع.

شابٌّ في الأربعينات،
قويّ البنية، وسيم الملامح، بشعر رمادي،
تلمح في ملامحه ذاك التوازن النادر بين الرجولة والحياء.
كان خجله واضحا،
عيناه تبتعدان كلما التقت نظرتانا.

تركتُ أمي تتجوّل في السوق القديم،
وأخذت أتمشّى معه بين الأزقة.

كانت الأزقة ضيقة، تنحني مثل أسئلة بلا إجابات.
تحدثنا عن أشياء صغيرة: المدن، الطعام، الطفولة.

حين جلسنا في مقهى صغير قرب باب المدينة القديمة،
أصرّ أن يدفع ثمن العصير، ثم القهوة.
حاولت أن أُشاركه الحساب، فسبقني بابتسامة قصيرة وضع فيها كل ما لا يستطيع قوله.
تركته يدفع ..

وفي منتصف الجلسة، سألني عن العطر الذي أضعه.
قال إنه أعجبه لكنه لا يعرف اسمه.
بدت خبرته في العطور محدودة،
ولم أشأ أن أبدو متعاليا فأذكر الاسم الإنجليزي الطويل الذي لا يعني له شيئا Jo Malone – Myrrh & Tonka،

قلت له ببساطة:
«هدية وصلتني منذ فترة»
ابتسم باقتناع.
تجوّلنا بعدها قليلا.

كان يمشي بخطواتٍ ثابتة،
وصوته يخرج مترددا بين الحين والآخر.

وقبل أن نفترق، أخرجت من حقيبتي تي شيرتا كنت أحتفظ به,
ناولته له كهدية صغيرة.
تردّد قليلا، ثم قبِله،
وعلى وجهه ملامح امتنان هادئ لم يحتج إلى كلمات.

تركته هناك عند باب المقهى،
وعاد هو إلى جهته، وعدتُ أنا لوالدتي التي أنهت جولتها في السوق.

ربما ما جعل ذلك اليوم يبقى في ذاكرتي،
أن كل شيء فيه حدث كما هو، دون ترتيب أو تكلّف.
لقاء بلا مقدمات، وحديث بلا نية للإبهار،
وصدقٌ لم يحاول أن يبدو صادقا.

ربما لهذا بدا اللقاء عابرا في ظاهره،
لكنه، في العمق، كان تذكيرا صغيرا بأن النقاء ما زال ممكنا
حين لا نحاول تمثيله.