لم يكن هناك شيء درامي تلك الليلة.
جلس أمامي كما يفعل الناس حين يريدون قول شيء لا يعرفون كيف يصيغونه.
كان ينظر للطاولة أكثر مما ينظر إليّ،
وحين تكلم، خرجت الكلمات قصيرة… مستقيمة… بلا التفاف:
إنه ما زال مع شخص… وأن العلاقة بينهما تقترب من نهايتها.

لم أعلّق.
لم أسأله تفاصيل.
لم أطلب تفسيرا.
فهمت كل شيء من طريقة جلوسه ..
طوال الوقت كان يشرح…
وأنا كنت أشعر أن الهواء بيننا صار أثقل،

أخذتُ وقتي لأتنفس.
لم أسأله “لماذا؟”
ولا “من هو؟”
ولا “أين أضع نفسي الآن؟”
كان واضحا أن الجواب لا يخصّني…
وأن قصته لم تنتهِ، وأن وجودي هنا—مهما بدا جميلا—ليس مكانا صحيحا.

بعد دقائق صامتة، قلت له بهدوء:
“أظن الأفضل أن نتوقف هنا.”
لم أرفع صوتي،
لكن داخلي كان ينسحب خطوة خطوة…
كمن يترك غرفة لم يعد يشعر فيها بالراحة.

نهضت.
فتحت الباب.
خرجت.
لا شيء كبير…
مجرد خروج يترك خلفه فراغا صغيرا،
فراغا تعرف أنه سينغلق بعد أيام.

في الشارع كان الليل عاديا:
سيارات تمشي،
مارة يعبرون،
وهواء بارد يلامس وجهي.
أوقفت طاكسي.
جلست في الخلف،
وأغلقت الباب ببطء كمن يريد أن يسمع صوت الإغلاق كي يصدّق أن القصة انتهت قبل أن تبدأ.

السائق شغّل الراديو.
وبشكل غريب…
انطلقت أول جملة من الأغنية:
“قال جاني بعد يومين…”

لم ألتفت.
لم أبتسم.
لم أتنهد.

نظرت فقط إلى انعكاس وجهي في نافذة السيارة،
وشعرت بتلك الحرارة التي تصعد للعين قبل أن تتحول لدَمعة.

لم أقاوم كثيرا.
تركتها تنزل بهدوء…
دمعة واحدة فقط،
كانت كافية لتعلن النهاية دون كلمة.

كانت دمعة على نفسي ..
على الجزء الذي ظلّ يُصدّق أنني قد أكون بداية لشخص لم يُغلق نهايته بعد.

وحين مسحتُ الدمع بأطراف أصابعي،
شعرت بارتياح،
ارتياح بسيط…
لكنه حقيقي:

أنني أخيرا عدتُ إلى نفسي،
حتى لو عدتُ متأخرا قليلا.