لم أكن أبحث عن بطولة حين قررتُ أن أنهي قصة لم تبدأ بعد مع الشاب التطواني.
لم يكن في الأمر تضحية نبيلة ولا موقفا أخلاقيا مكتمل الأركان…
الشاب مع أحدهم منذ سنوات.
علاقة طويلة، بيوت مشتركة، تفاصيل يومية لا تُمحى بسهولة…
علاقة تشبه تلك الخيوط القديمة التي لا تنقطع من أول شدّة، بل تنقطع ببطء مؤلم،
وأنا، ببساطة، لم أرد أن أكون اليد التي تشدّ أول خيط.
كنت قد رأيت هذا المشهد من قبل.
رأيته بأقسى صوره، حين شاهدتُ شريك السكن القديم يفعل الشيء نفسه مع طبيبٍ وثق به.
كان الطبيب طيبا، صادقا، ينتظر نهاية تحفظ كرامته…
لكن النهاية جاءت فوضوية، خائبة، تشبه الأبواب التي تُصفق دون وداع.
انتهى الأمر بسوء للجميع: خيبة للطبيب، هروب بلا معنى، وذكريات لا تشبه أحدا.
وكنت هناك، شاهدا على انهيارٍ كان يمكن تفاديه…
حين اعترف الشاب التطواني أنه في نهايته مع علاقة سابقة، كان في داخلي فورا صوت يحذرني،
صوت لم يكن ضدّه…
بل كان ضدّ تكرار السيناريو ذاته مرة أخرى.
كنت أعرف أنّ علاقتهم—هو وصديقه—لم تُعلن نهايتها بعد.
وأنّ السنوات التي تجمعهما ليست غيمة عابرة، بل تاريخا يجب احترامه، حتى لو كان متصدّعا.
وكنت أعرف أيضا أنّ دخولي في المسافة بينهما، حتى لو كان بعفوية وبنية صادقة .. لن يضيف لهذا التاريخ سوى مزيد من الارتباك.
لذلك توقفت.
تراجعت خطوة… ثم خطوتين.
أغلقت الباب بهدوء، من دون غضب، ومن دون لوم، ومن دون محاولة تفسير طويلة.
قطعت التواصل معه لأنّ قصته لم تُغلَق بعد،
ولأنّي لا أريد أن أكون اسما جديدا في فصل قديم لم ينتهِ بكرامة.
لم أهرب منه…
هربت من الدور الذي كنت أخشاه:
أن أكون سببا في اختيار مؤلم،
أو طرفا ثالثا في علاقة تحتضر،
أو خطوة إضافية نحو نهاية تشبه تلك التي رأيتها من قبل، والتي بقي طعمها مرًّا حتى الآن.
اخترت التراجع لأنّي تعبت من النهايات التي لا تُحسن وداع أصحابها،
ولأنّ قلبي يعرف أن أجمل القصص تبدأ حين لا يكون أحد مجروحا،
وتنتهي بسلام، لا بصدمة.
ولهذا…
تركت المسافة تعمل عملها.
وتركت الباب مغلقا.
وتركت للشاب أن يواجه حياته كما هي، لا كما أتمنى لها أن تكون.
ولم يكن هذا ضعفا…
بل محاولة صغيرة لأن أحمي نفسي، وأحمي الآخرين، من حكاية أخرى لا تستحق أن تُكتب.