هناك لحظات في حياة الإنسان يصبح فيها الحذر أكثر رحمة من الشجاعة.
لحظات يفهم فيها أن القلب ليس ساحة تجارب، وأنّ العلاقات نصف الميتة لا تحتاج زائرا جديدا بقدر ما تحتاج من يطفئ الضوء ويُغلق الباب برفق.
ومن كل ما حدث، من كلّ الذين مرّوا وتركوا خلفهم ظلّ سؤال… خرجتُ أنا بفكرة واحدة بسيطة، لكنها حاسمة:
لن أقترب من علاقة لا تزال تتنفس.
ولا من شخص لا يزال يعيش في غرفة لم يُغادرها.
تعلمت أن البدايات الحقيقية لا تُبنى فوق أنقاض أحد.
وأنّ الدخول إلى حياة شخص ما، بينما هناك آخر ينام في سريره—ولو غاب عنه الحنان منذ سنوات—ليس بداية… بل استمرار لفوضى لم أصنعها، ولا أريد أن أكون جزءا منها.
لذلك، لن يكون سؤالي الأول «ما اسمك؟»
ولا «كم عمرك؟»
ولا «أين تعيش؟»
سؤالي الأول سيكون سؤالا واحدا فقط…
سؤالا قد ينقذ أرواحا كثيرة:
هل أنت مستقل؟
هل خرجتَ فعلًا من الذي كان، أم أنك تجرّ معك بابه المفتوح؟
ليس بدافع الفضول، ولا بدافع السيطرة، ولا بدافع الاستحواذ…
بل لأنّي رأيت ما يكفي من العلاقات المُنهكة، تلك التي يعيش فيها الأشخاص كضيوف متعبين ينتظرون فرصة للهروب لكنهم يخافون من الفقد.
ورأيت ما يكفي من “النهايات المؤجَّلة” التي تنهار على رأس أول شخص يجرؤ على الاقتراب.
أريد بداية نقية…
بداية لا تعتمد على هروب أحدهم من أحد،
ولا على تعويضٍ مستعجل،
ولا على قلبٍ يبحث عن ملجأ بدل أن يبحث عن حبّ.
أريد قلبا خرج من قصته السابقة وقفّل الباب،
مسح الغبار عن الرفوف،
جلس في منتصف الغرفة،
وقال لنفسه بصوت خفيف:
“أنا جاهز. هذه المرة أبدأ من البداية الحقيقية.”
أما أنا… فقد تعبت من السير في الممرات الضيقة التي لا تملك نهايات.
وتعبت من الوقوف عند أبواب لا تفتح.
من الآن فصاعدا…
سأختار الوضوح أولا،
الاستقلال ثانيا،
والقلب الفارغ ثالثا.
فالعلاقة التي تبدأ من أرض نظيفة…
لا تحتاج الكثير لتنمو.
يكفي أن يكون كلٌّ منّا قد أغلق أبوابه القديمة…
ثم التفت إلى الآخر وقال:
“يمكننا أن نبدأ الآن.”