سكن مع شخص لم يكن يشبه الفنانين الكبار،
ولا يشبه أولئك الذين يولدون بموهبة متفجرة تجعل العالم يقف لهم احتراما…
كان يشبه شيئًا آخر تماما:
شرارة صغيرة،
تتوهج فجأة في الظلام،
ثم تضحك على نفسها قائلة:
“انظروا… أنا هنا أيضا.”
كان لديه قناة يتحدث فيها عن الفن.
قناة بسيطة، بلا مؤثرات، بلا ميزانية،
لكن روحه كانت تتكلم من خلالها.
كان يحكي عن الفنانين كمن يحكي عن أصدقائه المقرّبين،
ويكتشف في كل خبر قصة لم يرها أحد غيره.
وفي يوم من الأيام…
أخذ دورة فوتوشوب.
دورة قصيرة ..
لكن الدورة كانت كافية
لإشعال الضوء في داخله.
كبرت قناته.
بدأ الناس يلتفتون.
بدأت التعليقات تظهر،
ثم…
دون مقدّمات…
اختفى.
لا منشور.
لا تصميم.
لا فيديو.
لا حتى “سأعود لاحقا”.
صمت يشبه غرفة تُطفأ أضواؤها والناس ما زالوا بداخلها.
تواصلت معه قبل سنوات.
سألته عن الفن.
عن القناة.
عن آخر تصميم.
ضحك ضحكة قصيرة لا تصل إلى عينيه.
قال شيئا مثل:
“ما بقاش عندي الوقت…”
وكان في صوته شيء واحد فقط:
أنه لم يعد لدي حلم.
أكثر ما يؤلمني ليس أنه ترك كل ذلك،
ولا أنه توقف عن حلمه،
ولا أن قناته صارت مهجورة كمتجر نسي صاحبه أن يغلقه.
ما يؤلمني أنني رأيت الضوء فيه.
ضوءا لم يكن كبيرا،
لكنه كان حقيقيا.
لكن الحلم، كما تعرف،
لا يموت فجأة.
يموت ببطء.
يموت حين لا يصفّق أحد.
يموت حين يمرّ عليه أسبوع، ثم شهر،
ثم سنة…
ولا يأتي أحد ليقرع نافذتك ويقول:
“أين وصلت؟ افتح، أريد أن أرى.”
يموت حين يتعب صاحبه
من انتظار شيء لا يعرف كيف يحميه.
الليلة…
وأنا أكتب عنه،
أفكر في قناته ..
التي كانت تحمل اسمه كما تحمل المقابر أسماء أصحابها.
وأفكر في آخر تصميم تركه معلّقا
كلوحة لم يجفّ طلاءها.
وأقول في سرّي:
إن عدت يوما،
ستجد الضوء كما تركته.
لم ينسَك.
ولم ينطفئ.
فقط نام قليلا…
ينتظر أن تفتح له الباب
مرة أخرى.
ولعلّ أكثر ما يبكيني أنّني أعرف:
الحلم الذي يولد في يد فقير
لا يموت…
هو فقط ينتظر
أن يصدّقه أحد
من جديد.