في مدينة الصويرة، حيث البحر لا يسأل أحدا عن تاريخه، دعاني رجل كبير في السن للسكن معه فترة، ريثما أتدبر أموري وأجد لنفسي مأوى.
في اليوم الأول، بعد السلام والسؤال عن الأحوال، قال لي بهدوء: “عدد فناجين القهوة التي تشربها في اليوم… لا يجب أن يتعدى اثنين.”
هززت رأسي كأن الأمر عادي. لكن شيئا ما انكسر داخلي.
لم يسألني إن كنت سأساعد، أو إن كنت سأتطوع وأشتري القهوة، أو أطبخ، أو أكنس، أو أقوم بما أفعله عادة دون طلب عندما أكون ضيفا في بيوت الناس.
مرّت الأيام. ثم مرض صديقه بشدة، وذهبت معهما في رحلة علاج إلى مدينة الدار البيضاء. كنت أرافقها في التنقل، أشتري الأدوية، وأحضر الطعام، بينما أقيم في فندق ibis على نفقتي الخاصة.
وعندما خرج من المصحة… لم أُحضِر وردا، ولا بطاقة شفاء،
ذهبت إلى المتجر، واشتريت الة نيسبريسو جديدة (تلك التي لا أجرؤ على شرائها لنفسي)، ومعها عشر علب قهوة كبيرة، من النوع الذي يكفيه لعام كامل.
تركتها هناك، دون رسالة. دون توقيع.
ومن يومها، لم أعد أشرب القهوة في بيوت الناس. انتقلت للعيش في الشمال، اشتريت آلة قهوة جديدة، علّقت فوقها ملاحظة صغيرة لا يراها أحد سواي: “اشرب كما تشاء… هنا لا أحد يعدّ عليك شيئا.”
لكنني، رغم ذلك، كلما هممتُ بفنجاني الثالث في اليوم، تذكّرت تلك الحادثة .. وتذكّرت أن الطيبة لا تكفي لتصنع مكانا آمنا، وأن بعض الكؤوس… تشرب بمرارة لا علاقة لها بالقهوة.