لا أحد يقول الحقيقة في الخريف. الجميع يبتسم كأن الأمر بسيط: “تغيّر الطقس… قليلا”.

لكننا نعرف أن المسألة أعمق من معطف أو كوب شاي أو موسيقى هادئة. هناك شيء في هذا الوقت بالذات يجبرنا أن نتباطأ… كأن كل واحد فينا يحمل فوق كتفه تعب سنة كاملة، ولا يريد أن يعترف.

نمشي في الشوارع، ونحسب خطواتنا بلا هدف. نسهر أكثر من اللازم، وننسى السبب.

نقرأ رسائل قديمة، لا بحثا عن ذكرى، بل لأننا نخاف من الأيام القادمة أن تكون بلا أي ذكرى أصلا.

الخريف ليس حزنا رومانسيا كما يقولون في الكتب. هو قلق صامت، مزاج رمادي، طاقة ناقصة لا تعلن نفسها لكنها تسكن في كل شيء: نظرة، تنهيدة، تأجيل غريب لكل شيء مهم.

نجتمع كل مساء، ولا أحد يسأل الآخر: “كيف حالك حقا؟” الجميع يعرف الجواب سلفا.

ولذلك، نواصل، نضحك أحيانا بلا سبب، ونبكي في الخفاء بلا شهود.

كل شيء يُصبح ثقيلا في هذا الوقت: فتح الباب، إغلاق النافذة، حتى الجملة البسيطة تحتاج جهدا للخروج. ربما لهذا نحب الشتاء لاحقا… لأنه يعطي للخريف نهاية، مهما كانت مؤقتة.