كلنا مررنا بذلك: نلتقي وجوها جديدة ونصدق أن فيهم خلاصنا، أنهم الضوء في نفق الأيام الباهتة. نبالغ في التفاؤل، نخلط الأمل مع الحاجة، ونضع كل ما نملكه من ودّ فوق طاولة لا نعرف متى تُقلب.
تمر الأسابيع، ويصبح حضورهم أقل دفئا، وحديثهم أكثر ثقلا. ندرك تدريجيا أن ما كنا نظنه بداية جديدة، كان مجرد محاولة يائسة للهروب من وحدة قديمة.
تتحول العلاقة إلى روتين: رسائل تُرسل بدافع العادة، لقاءات تُؤجل مرارا بلا سبب حقيقي، ووعود يتقلص حجمها حتى تصبح جملة سريعة في نهاية محادثة: “خلينا نلتقي قريبا”.
يصبح كل شيء عبئا خفيفا في البداية، ثم ثقيلا مع كل موسم جديد.
نكذب على أنفسنا ونمنح العلاقة فرصة أخيرة .. حتى ندرك أن لا شيء سيعود كما كان في الأيام الأولى، وأننا نحن أنفسنا تغيرنا، وأن ما جمعنا كان وهما صغيرا علقنا عليه أحلامنا حين كنا أضعف.
الغريب أننا نستمر في حمل هذه العلاقات… نخاف من فكرة الفقد أكثر من خوفنا من عبء البقاء.
نخشى أن نعترف لأنفسنا أن بعض الروابط لا تستحق القتال من أجلها، وأننا حين نتركها، لا نخسر إلا وزنا زائدا كنا نظن أنه سيحمينا من الغرق.
وفي النهاية، نصمت جميعا، نمارس طقس الفراق الصامت، نُراكم علاقات لا نستطيع رميها ولا نملك الشجاعة لإحيائها. ويصير الخريف ليس فقط فصلا تتساقط فيه الأوراق، بل موسما تتساقط فيه العلاقات أيضا.