قالها المتنبي وكأنه يطلب المستحيل من الإنسان.
وكأن القلب يمكنه أن يتجاهل ما حدث،
وأن العين يمكنها أن تتظاهر بالقوة،
فقط لأن القصيدة تتطلب وزنا لا يسمح بالبكاء.
لكن الحقيقة؟
نحن نبكي.
نبكي رغما عنا،
حين نمرّ من شارع كنا نمشي فيه،
أو حين نشمّ رائحة المكان الذي حلمنا فيه يوما أن يكون بيتا لنا.
نبكي في منتصف الرسائل القديمة،
وفي منتصف الليل،
وفي منتصف جملة عابرة تمر علينا دون قصد…
فتوقظ فينا كل ما حاولنا أن ننساه.
من قال إننا نبكي فقط على الأشخاص؟
نحن نبكي على النسخ القديمة من أنفسنا التي كانت تحبّ دون خوف،
وتحلم دون حساب،
وتثق بأن البيت ليس الجدران،
بل أشخاص يقولون لك: “نحن هنا.”
ومع ذلك، نحاول.
نحاول ألّا نبكي.
نضحك حين يأتي الحديث عن “المنزل القديم”،
ونكتفي بهز الرأس حين يُذكر اسم من رحل.
لكن في الداخل…
تظل جملة واحدة تتردد دون صوت ..
القصائد القديمة تطلب منّا أن لا نبكي،
والواقع يطلب أن نتماسك،
لكننا بشر…
وفي القلب ذكرى،
وفي الذكرى وجع،
وفي الوجع… دمعة تؤجَّل كل ليلة
ثم تسقط
حين لا يرانا أحد.