في مدينة مغربية تدعى وجدة، لم أكن النموذج الذي يتوقعه الناس من شاب يجلس في المقهى.
لم أكن ألعب الضامة، ولا أشارك في الحديث عن مباريات الأمس،
ولا أوزّع الآهات على أسعار الزيت والسكر.
كنت أجلس ومعي اللابتوب.
كأنني ارتكبت جريمة علنية.
“آش كيدير هاد؟"
"هادا تيظن راسو في فرنسا”
السخرية كانت مجانية وموسمية.
تأتي من الزبائن، من النادل، أحيانا حتى من الطاولة نفسها.
وكان كل شيء فيّ يثير الريبة:
ملابسي، عطري، وحتى نظراتي في الشاشة.
كأنني أحمل برنامجا لتفكيك المجتمع، فقط لأنني أكتب مقالا أو أردّ على إيميل.
وإن أتى أحدهم وأشعل سيجارته بجانبي،
تبدأ المعركة.
أنا أطلب بلطف أن يُطفئه،
هو يضحك كأنه يسمع طلبا من كوكب آخر،
ثم يأتي آخرون للدفاع عن “حق التدخين”،
وكأنني أطلب منعهم من التنفس.
لم أكن أبحث عن المشاكل،
لكن يبدو أن كل من يحاول أن يكون مختلفا،
يُعتبر تلقائيا شخصا يجب “تعديله”.
مرت سنوات كثيرة على تلك المرحلة.
اشتغلت من المقاهي،
أجبت على مكالمات عمل بجانب طاولة يتحدث فيها أحدهم عن مشاكل قريبه في إسبانيا،
كتبت تقارير في جوّ تختلط فيه أصوات الكؤوس،
ورائحة الشيشة،
وتعليقات عمّ مهووس ببرنامج فكاهي قديم.
الطريق لم يكن سهلا أبدا.
وراء كل جلسة عمل في مقهى كان هناك تعب لا يُرى،
ومعارك صامتة خضتها كل يوم فقط لأحتفظ بحقي في أن أكون كما أنا.
عانيت كثيرا… أكثر مما كنت أُظهر،
لكنني واصلت،
لأنني كنت أعرف أن الاختلاف مكلف،
لكنه الشيء الوحيد الذي لم أندم عليه.