صدّقت إنسانا.
وثقت به كما لا يثق أحد.
عاملته كأخ، لا كشريك سكن عابر.
ضحكت معه، طهوت له، تقاسمت معه الخبز، وكان قلبي مطمئنا أنه لن يغدر بي.
كنت أسأله:
“هل أستأمنك على نفسي؟“
وكان يجيبني بكل يقين: “طبعا. لا تسألني هذا السؤال مجددا.”
كنا نعيش معا في شقة ضيقة،
وكان الاستحمام يعني غلي الماء في قدر.
كنت أسكب الماء الساخن على جسدي،
ثم أجمعه من الأرض وأنظف الحمام…
لم يكن هناك غسالة ..
جلبت واحدة بلاستيكية… بسيطة، كانت ترقص وتتمايل أثناء الغسيل،
لكنها كانت تعني شيئا آناذاك: أننا بدأنا نحيا.
قدمت أفضل ما لدي في تلك الصداقة ..
لأنني كنت أؤمن أن الأخوّة لا تحتاج إلى عقود ولا دفتر حسابات.
ثم دخل شخص جديد.
شخص آذاني علنا،
وشوّه اسمي،
صديقي لم يدافع عني،
بل صافحه… ووضع يده في يده.
قلت له بعدها بصوت مكسور:
“ظننتك من الذين ينصرون أخاهم ظالما أو مظلوما…”
فردّ بهدوء:
“أنا لا أؤمن بذلك.”
وكان ذلك الجواب… بمثابة صفعة اختصرت سنوات من العشرة،
ثم جاء اليوم الذي قررت فيه الرحيل.
لم آخذ معي شيئا.
لا السخان، ولا الغسالة،
ولا المقتنيات التي اشتريتها بقلبي.
ولا التفاصيل الصغيرة التي صنعتها بيدي لأجعل المكان صالحا للعيش.
خرجت من البيت كما دخلته:
بيدين فارغتين، وحقيبة صغيرة على ظهري.
لكنني خرجت هذه المرة…
وأنا أحمل في صدري شيئا أثقل من كل الأثاث:
جرح لا يشفى.
تركته ليأخذ كل شيء.
وهو، ترك لي ميراثا.
شوّه صورتي.
صوّرني عبئا ثقيلا،
تحدّث عني مع عدوي،
فتح له الأبواب التي أغلقتها أنا عن طيب نية،
واستعرض خصوصياتي وكأنها لم تكن يوما أمانة عنده.
ثم ختم كل شيء بشتيمة…
شتيمة… تأكد أن تصل.
كلما أغلقت عيني،
أتذكّر صورته وهو يبتسم مع عدوي،
وأسمع صوته يقول لي:
“طبعا. لا تسألني هذا السؤال مجددا…”
لم أعد أثق بأحد بذلك العمق.
لم أعد أفتح بابي كما كنت.
ولم أعد أسأل أحدا:
“هل أستأمنك على نفسي؟”
لأنني أعرف الإجابة،
وأخشى أن أسمعها من جديد.