كان يعود متأخّرا كل مساء.
لا يشكو من شيء، لكن خطواته كانت تقول كل شيء.
بطيئة، مرهقة، كأنها تطلب من الأرض أن تختصر لها الطريق.
يخرج صباحا بحذائه الأسود المائل للرمادي،
ويعود به مساء وقد صار أقرب إلى التراب منه إلى الجلد.
لم أكن أسأله كثيرا، ولم يكن يحكي كثيرا. لكنني كنت أعرف.
كنت أعرف من طريقة خلعه للحذاء عند الباب.
من تلك الزفرة التي تُطلق دون أن يشعر.
من نظراته التي تبحث عن الماء أولا، ثم السرير، ثم لا شيء آخر.
كان التعب واضحًا، حتى في قدميه.
الحذاء وحده كان يكفي لكتابة فصول طويلة ..
لم يكن مجرد جلد ومطاط، بل خريطة لطرق طويلة مشاها بحثا عن الرزق.
كنت أحيانا أضع الحذاء في مكانه، أنظفه قليلا، وأعيده كما هو.
وكنت كل يوم، حين أسمع صوت الحذاء يُخلع، أعرف أن يوما جديدا من الكفاح قد انتهى.
كان يُعيل أسرته، ويسندهم جميعا، دون أن يقول شيئا.
ويضحك قليلا كأنه لا يشعر بشيء.
لم أكن أعرف أن كل هذا الصمت كان يخبئ تحته صوت صراخ لا يُسمع.
ثم ذات مساء،
خلع حذاءه…
ولم يعد.