لم يكن يملك الكثير،
لكنّه كان يمنح أكثر مما يستطيع.
كان بيته بالكاد يتّسع لهمومه،
وحين احتجت ملجأ، أزاح بعضا من تلك الهموم وأفسح لي مكانا.
لم يسأل كثيرا، لم يحقق، ولم يشترط.
فتح الباب، ومدّ فنجان شاي،
وقال بصوت خافت:
“ابقَ ما شئت، أنت لست عبئا.”
في تلك الأيام التي كنت أعيش فيها على حافة الانهيار،
كان هو الحافة التي لا تسقط.
كان بيتا متنقّلا.
يمشي مثقلا من العمل،
لكنه يعود حاملا الخبز، وبعض الحديث،
ويحرص على أن يترك لغيره شيئا من الطمأنينة… حتى لو لم يجدها هو لنفسه.
لم يكن أخا، ولا قريبا،
لكنّه كان الشيء الأقرب لما تمنّيته من “أخ”.
مضت السنوات، تغيّر كل شيء.
لكنّي كلما تذكّرت تلك الفترة…
أُدرك أن هناك من أنقذني دون أن يعرف.
وأنّ بعض الأبطال لا يرفعون سيوفهم…
بل يضعون وسادة صغيرة لمن يحتاج أن ينام دون خوف.
كان هناك حلم.
لا أتذكّر أننا سمّيناه، ولا أننا اتفقنا عليه بصوت عال.
لكننا كنّا نعرف أنه هناك…
شيء يشبه النور في نهاية النفق.
كنا نحلم أن نصل إلى لحظة نُريح فيها عائلاتنا من عناء السؤال،
أن نحيا حياة فيها كرامة، فيها دفء، فيها فرصة.
أن نصنع لأنفسنا حظا، ولو صغيرا، وسط عالم لا ينتظر أحدا.
لم يكن هناك خارطة،
لكننا صدّقنا الطريق.
ثم حدث ما يحدث في كل حكاية ناقصة:
هو أخذ طريقا مختلفا،
وأنا…
حملت الحلم وحدي ..