في البداية، حاولت أن أشرح له.
كنت أرسل له خرائط، أرقام، أسماء أحياء، وقوائم طويلة تبدأ بكلمة “لا” وتنتهي بكلمة “أرجوك، لا تستأجر تلك الشقة”.
قلت له: مراكش جميلة… لكن من بعيد.
أما إن قررت أن تعيش فيها، فاستعد لأسوأ علاقة حب من طرف واحد.
لكنه لم يكن يريد أن يسمع.
كأن المدينة كانت تهمس له بشيء لا أسمعه، أو أن كل التحذيرات تبدو كأنها مبالغة.
وفي لحظة حماس، وقع العقد.
شقة كبيرة فارغة، دون أثاث حقيقي، في حي ليس فيه شيء سوى الضوضاء، والسعر المرتفع ..
كان سعيدا في البداية.
مرت أيام قليلة فقط، ثم بدأت تظهر الشقوق.
في الجدران، في الأجواء، وفي المزاج.
اتصل بي أخيرا، صوته مكسور:
“كرهت المدينة. سأخرج. ولن أعود إليها أبدا إلا كسائح… لأيام فقط.”
لم أُجب فورا.
كنت أعلم.
وأنا في مكاني، شعرت بثقل لم أستطع حمله نيابة عنه.
المدينة أخذت منه كل شيء: حماسه، فضوله، طاقته… وحتى تلك النظرة التي كانت في عينيه عندما تحدّث عن “بداية جديدة”.
واليوم؟ لم يعد يريد شيئا. لا بداية، ولا مدينة، ولا حتى ذكريات.
صديقي الفرنسي، كان بحاجة لمدينة تمنحه شيئا ما .. الألفة، الروتين، الراحة، الحماسة ..
لكن مراكش لم تكن تلك المدينة.
وسيرحل منها، بصمت، كما يرحل أي شخص خذلته الحياة أكثر مما خذله الناس.