في الليلة الأولى من زيارتي لمراكش، ارتكبت خطأ لا يُغتفر:
قررت أن أجرب شيئا جديدا.

دخلت أحد تلك الأماكن التي تتظاهر بأنها فرنسية، وسألت عن السندويتش الأكثر طلبا.
قال لي النادل، بثقة لاعب ورق يظن أن الحياة لعبة حظ:

la baguette française”

الاسم وحده يوحي بشيء فاخر.

كأن السندويتش تخرّج من جامعة السوربون، وكتب رواية، وفاز بجائزة نوبل.

أخذت أول قضمة.
وكانت لحظة وحي.

السندويتش كان سيئا ..
ذهبت إلى النادل وسألته، بلطف يُخفي صدمة وجودية:

“ما هذه الصلصة؟“
قال وهو يبتسم بثقة:
“هذه الصلصة السرّية.”

أجبته:

“يبدو أن السرّ الوحيد هو كيف مرّت على وزارة الصحة دون رقابة.”

هربت بعدها الى متجر للحلوى، كمن يحاول أن ينقذ ما تبقّى من الكرامة.
طلبت شيئًا يبدو كـ”تيراميسو” متردد.

تناولت لقمتين، وقررت أن أكتفي.
ليس لأنني شبعان، بل لأن هناك حدودا لما يمكن للمعدة أن تتحمّله من خيبات الأمل.

بعد هذه المأساة، وذلك المكان الفرنسي الذي قدّم لي ساندويتشا جعلني أشتاق لوجبات المستشفيات،
خرجت وتوجهتُ إلى الفندق بخطى ثقيلة.

في الطريق، كانت هناك مظاهرة.
واحدة من تلك التي أصبحت مألوفة مؤخرا:
غضب عام، لافتات، وهتافات تخرج من القلب…

جلست قليلا أتفرّج.
ربما بدافع التضامن، وربما فقط لأمنح معدتي وقتا للتعافي من الصدمة.

أخذت بعض الصور، كأنني أقول للتاريخ: “كنتُ هنا، في هذا الليل الملعون.”
ثم واصلت طريقي….

أصحاب الدراجات النارية بدأوا ينادونني بصوت موحّد:

“اندرايف! اندرايف! تاكسي”

لم أرد.
لكنهم ظلّوا يتوقفون ويشيرون ويكرّرونها…

وحين دخلت الفندق أخيرا،
جلست على السرير كجندي نجا من معركة لم يُقاتل فيها أحد،
وفي آخر الليل، ظننتُ أنني سأنام…
لكن غيليز كانت تعتقد أن الساعة الثالثة صباحا هي موعد الحفلة الرئيسية.
السُكارى يمرّون تحت نافذتي واحدا تلو الآخر، كأن الفندق موضوع على طريق هجرتهم الجماعية من الوعي.
بعضهم يغني، بعضهم يصرخ.
كلهم متفقون على شيء واحد:
أن نومي ليس أولوية.

فتحت باب الغرفة لأتنفس بعض الهواء ..
وفجأة سمعت صوت دراجة نارية يمر تحت نافذتي وينادي:
“اندراااااااااايف، اندراااااااااايف”