نهضتُ صباحا بعد ليلة طويلة لم أنم فيها كما ينبغي.
ليس بسبب السرير، ولا لأن الغرفة غير مريحة، بل لأن الفندق يقع في قلب حي غيليز،
حيث السكارى يغنّون كأنهم في مهرجان،
والحانات تفتح أبوابها كأنها على موعد مع نهاية العالم.
أصوات من كل نوع: ضحك، صراخ، سيارات تتسابق، موسيقى تتصاعد من الشارع وكأن الغرفة جزء من المسرح.
استيقظتُ وأنا أشعر أن الليل لم ينتهِ، بل فقط غيّر نوبته.
فقلت: فنجان قهوة أولا… ثم نفكر.
خرجت من الفندق بحثا عن مكان هادئ أبدأ به اليوم، فخطر ببالي مقهى رأيته في فيديو عابر على تيك توك. لا أعوّل كثيرا على الترشيحات في هذا التطبيق، لكنه بدا أنيقا… وكنت بحاجة إلى أي شيء جديد. وصلت، وجلست، وطلبت فطوري.
والمفاجأة؟
الأسعار رخيصة.
خيصة بشكل جعلني أراجع علاقتي بمقاهي كابو نيجرو .. التي ترتّب لك الطاولة وكأنك ستتناول العشاء مع سلطان،
صحيح أن مقاهينا في الشمال أكثر فخامة،
لكن هناك موجة مبالغ فيها من “اللوكس”، كأنك تشرب القهوة على السجادة الحمراء.
أما هنا، لا ديكورات فخمة، لا استعراض .,.
مجرد طاولة وكوب قهوة وسعر معقول…
وكأن المدينة أرادت أن تعتذر لي عن ليلة غيليز ..
بعد الإفطار، خطر ببالي أن أزور أديداس أوتليت.
قلت: ربما أجد قطعة بسيطة، تيشيرت أو بنطال رياضي، أي شيء أُقنع به نفسي أن اليوم له فائدة ملموسة. دخلت المتجر، ولم يكن مزدحما.
مررتُ على الرفوف ببطء،
لكن بسرعة بدأت ألاحظ شيئا غريبا:
معظم القطع تبدو وكأنها تم تهريبها من التسعينات… ولم يسأل عنها أحد منذ ذلك الحين.
الألوان متنافرة، التصاميم تُشعرك بأن المصمم استقال في منتصف العمل.
بصراحة، لم أجد شيئا مناسبا ..
توقّفت عند باب الخروج لحظة،
كأنني كنت بحاجة لتأكيد داخلي أنني لم أكن أبالغ.
ثم خرجت، خفيفا… بلا كيس، بلا فاتورة.
بعد جولة الأوتليت الفاشلة، شعرت أن مراكش بدأت تزداد ضيقا كلما حاولت البقاء فيها.
فتحت تطبيق “إن درايف” وطلبت دراجة للمحطة، دون تخطيط، دون تفكير، فقط رد فعل جسد تعب من الضجيج.
في الطريق، كتبت “الصويرة”.
ولم يكن الأمر مجرد نزهة.
قبل سنتين، حين غادرت مراكش هربا من خذلان من بنيت معه بيتا ثم تركني خارجه،
ذهبت إلى الصويرة.
لم تكن وجهة، بل كانت ملجأ. منفى مؤقّت، عشت فيه شهورا طويلة ..
الآن أعود إليها، حتى وإن انتهت فيها كل الصداقات والعلاقات،
فما زال فيها شيء يشبهني.
وصلتُ إلى الصويرة في المساء.
الهواء هناك له طعم مختلف، يشبه شيئا نسيته في مكان ما ثم وجدته صدفة… فابتسمت دون أن تعرف لماذا.
مشيت في الشارع كأنني لم أغب يوما.
نفس الرائحة الخفيفة، نفس طيور النورس التي تطير على ارتفاع منخفض وكأنها تراقبك، نفس الأزقة التي تعرف طريقتك في المشي حتى لو نسيت أنت.
لكن هذه المرة، لا أحد بانتظاري.
لا صديق، لا دعوة عشاء، لا رسائل “أين وصلت؟”
ومع ذلك، لم أشعر أنني غريب.
شعرت أنني عدت إلى بيت قديم…
أول ما فعلته؟
وصلت الفندق، دخلت الغرفة .,. وجلست على الكرسي ,.
ثم أخذت نفسا عميقا… كأنني أستعيد جسدي بعد أن استعارته مراكش ليومين.