كان يا ما كان، في زمنٍ لم تُخترع فيه الـAirPods، ولم يكن لسدادات الأذن وجود إلا في مستودعات شركات الطيران،
كنتُ أعيش وسط هذا العالم بأذنين مفتوحتين على مصراعيهما…

كأبواب مقهى شعبي في ظهيرة رمضانية.
كل صوت كان يدخل رأسي بلا استئذان:
بكاء الأطفال، نباح الكلاب، تنفّس الجيران، صراخ الباعة، قهقهة المارة، ثرثرة من في الطابق العلوي، بل وحتى مواء القطط المتخاصمة مع الثالثة فجرا…

كلها كانت عروضا مباشرة في الهواء الطلق ..
وكنت أنا الجمهور … والضحية معا.

كنتُ أستيقظ على صوت المكنسة الكهربائية في بيت الجيران وكأنها منبّه تم تركيبه داخل أذني،
وأُنجز مهامي الدراسية أو العملية وسط سيمفونية عشوائية من “دقّ، كركبة، تنفيض، صراخ، طنجرة ضغط”.

حتى التفكير لم يكن ممكنا…

كنتُ أُفكّر بمبدأ:
“إذا لم يقتلك الصوت… ربما تتعوّد عليه.”

ثم… ثم جاء المنقذ.
AirPods.
سدادات أذن.
نعمة من السماء مُغلّفة بطبقة سيليكون.

اختراع جعلني أكتشف لأول مرة أن الصمت… ليس مجرد غياب الضجيج،
بل نعمة تستحق أن تُعلّق في المتاحف بين مخترعي الإنسولين والكهرباء والـ VPN.
صارت الأصوات خيارا.
أفتح الباب لمن أريد، وأغلقه على الباقي.

ولأول مرة منذ الأزل، أصبحت أسمع صوت أفكاري… بدون مقاطعة.
هل هذه مبالغة؟
ربما.
لكني أعيش الآن في سلامٍ …
وأقول للعالم:
من أراد أن يُحدّثني… فليبدأ بإرسال بريد إلكتروني.

“لم أكن أحتاج علاجا نفسيا… كنت فقط أحتاج سدادة أذن”