مراكش مدينة ذكية.
أقنعت العالم بأنها “وجهة ساحرة”، لمجرّد أنها تملك ساحة اسمها جامع الفنا.
ساحة واحدة، تعزف فيها الأفاعي وتتحرّك فيها الحشود،
صارت بطاقة تعريف لمدينة كاملة…
كأن باريس هي برج إيفل، وكأن نيويورك هي تمثال الحرية فقط.
وهكذا بدأت الأسطورة:
مراكش = غموض شرقي، سحر، ضياع جميل، عراقة…
لكن الحقيقة مختلفة تماما، خصوصا لمن يعيش فيها.
وراء فلاتر الصور، والڤلوجات المليئة بالموسيقى،
هناك مدينة تُدار بالضجيج:
ضجيج أبواق، ضجيج دراجات، ضجيج المارة، ضجيج الأسواق،
وضجيج في داخلك لا يتوقف، لأنك ببساطة لا تستطيع التنفس بسلام.
مدينة جميلة… فقط إذا كنت زائرا.
لكن كـ “مكان للعيش”؟
الأمر يشبه محاولة النوم داخل مكبر صوت.
كل شيء يتحرك بسرعة غير مفهومة.
الغبار في كل زاوية،
الحرارة تضربك من الأرض، من الجدران،
والسكون يبدو كأنه غادر المدينة منذ عقود.
مراكش مكان رائع لالتقاط الصور،
لكن سيّء جدا لالتقاط الأنفاس.
أما الشمال؟
أولئك الذين يعيشون في تطوان، شفشاون، الحسيمة، أو حتى نواحي وزان…
فهم في نعيمٍ لا يعرفونه.
في الشمال، تسمع أصوات الطيور، لا أصوات الأبواق.
ترى الخضرة تمشي معك، لا غبارا يسبقك.
الماء بارد، الهواء نقي، والهدوء ليس ترفا بل حق طبيعي.
من يعيش في الشمال لا يعرف أنه في الجنة،
لأنه لم يجرّب الجحيم المسمّى بـ “مراكش”.
الشهرة؟
مراكش أخذتها من “جامع الفنا”، من البازارات، من الصور القديمة،
لكن الحياة… الحياة لا تُقاس بما تراه العدسة،
بل بما تستطيع احتماله يوما بعد يوم.
وكم يسهل أن تُحب مراكش وأنت سائح…
وكم يصعب أن تبقى فيها دون أن تتمنى الهروب.
مراكش هي المدينة التي أقنعت الجميع أنها تستحق كل هذا الضجيج ,,