لم يكن لي بيت.
فبنيتُ بيوت الآخرين.
كنتُ أجمع الصحون، أبدّلها باستمرار، وأستثمر في الأثاث والأفرشة، لأنني كنت أبحث عن دفء يُشبه البيت….
أتذكّر آخر مرة حاولت أن أفرش صالونا لصديق. على بساطة ما استطعت، ثم قلت في نفسي: ها قد صنعتُ ركنا آمنا.
بعد شهرين، كان الصالون في مكانه، وأنا في الخارج، كأنني كنت عامل بناء يبني للآخرين، ثم ينام في العراء.
عندما وصل الخبر إلى والدتي، وكان التهديد يسبق الكلمات بأن «أصحاب كازا سيكسرون عظامي»،
أرسلت لي تسجيلا لن أنساه ما حييت…
كان صوتها متقطعا ..
صوت حزين كمن يتكلم بعد بكاء،
“كان كيعاونّا، ماننساوش الخير اللي دار معانا، سمح في كل شي وخرج من عندو”
ترجمة ل:
«كان يساعدنا ويدعمنا، ولا يجب أن ننسى ذلك .. اترك كل شيء وغادر»
لم يكن في كلماتها غضب، بل حزن نقيّ، يشبه المطر الأول.
كانت تودّعه من قلبها بهدوء، تماما كما كنتُ أخرج من البيت الذي بنيته معه.
كانت وصيّتها درسا أخيرا:
أن الكرامة تُبنى بالرحيل لا بالانتقام.
خرجتُ بعدها أحمل نصيحتها أكثر من أي صندوق، أكثر من أي صحن أو قطعة أثاث ..
وحين التفتّ خلفي، رأيت كل بيت بنيته يضيء…
إلا بيتي أنا، كان موجودا فقط في خيالي ..
وحين مددتُ يدي لأمسكه ..
سالت من عيني دمعة … ثم تتابعت كالمطر ..