كان شريكا في السكن ..
ومع الأيام تبيّن أنه لم يكن مجرد شريك عابر،
بل شخصا امتلك مهارة لم أرها عند أحد: كان يعرف دائما من أين تأتي السُّلفة.

لم يكن غنيا، ولم يكن يعيش في وفرة.
كان بالكاد يُدبر أموره مثل أي شاب في بداية الطريق.
ومع ذلك، حين تضيق بي الأبواب، كنت أجد عنده بابا مفتوحا.

كنتُ أدخل غرفته مترددا، أبحث عن الكلمات.
وكان يسبقني بنظرة هادئة، ويطرح السؤال الوحيد الذي يختصر كل شيء: – كم تحتاج؟

لم يكن يسأل عن السبب، ولا عن المدة. ينهض بهدوء، يكتب رسالة أو يجري مكالمة قصيرة، ثم يعود مبتسما: – تمّت.

كان يمتلك موهبة خارقة في العثور على السُّلفة. بالنسبة له، لم يكن هناك شيء اسمه “مستحيل”.
كنت أظن أن بعض الأبواب مغلقة بإحكام، فيطرقها هو فتُفتح على الفور، كأنه يحمل مفاتيح سرية لا يراها غيره.

مرة قلت له:
– هذا الشخص مستحيل أن يسلفنا.

ابتسم بثقة من يعرف النتيجة مسبقا، وقال:
– كلمة “مستحيل” تصلح فقط لكتب الفيزياء… أما نحن فطلاب في مدرسة البقاء.

ثم يجري مكالمة قصيرة، لا تزيد عن دقيقتين، وينهيها بجملته الشهيرة:
– تمّت.

تكررت هذه المشاهد كثيرا.
مرة بسبب الديون، مرة بسبب ظرف مفاجئ، مرة لأني ببساطة لم أملك ثمن وجبة. وفي كل مرة، كان يتكفل بترتيب الفوضى وكأن الأمر لا يحتاج جهدا.

ما اكتشفته لاحقا أنه لم يكن يملك دائما ما يعطي.
أحيانا كان يستدين من آخرين لينقذني. لم يخبرني بذلك في وقته، ربما كي لا يضعني في موقف حرج.

كنت أتأخر كثيرا في السداد.
أعود بعد أسابيع أو شهور، أطرق الباب وأمد المبلغ، لم يكن يطلب، أو يلمّح.

مع الوقت أدركت أن وجوده لم يكن تفصيلا عابرا. كان سندا صامتا، ويدا تُمدّ دون ضجيج.

لقد أنقذني مرارا،
وأنا لم أجد طريقة لأنقذه ..
لأن ذلك الدين… لا يُسدّد.
بل يُكتب.

وأنا أكتب عن ذلك الآن ..