كان المكان هادئا أكثر من اللازم،
جلسا متقابلين، لا كلام بينهما، فقط نظرات صامتة ..

كان الفراق يمشي بينهما بهدوء،
لم تكن هناك دموع، ولا دراما. فقط تعب يشبه النهاية حين تأتي بعد طول مقاومة.

كان كل شيء بسيطا، مؤلما ببساطته:
نظرة طويلة، ابتسامة صغيرة، ثم خطوة نحو المجهول.

لم يُغلق أحدهما الباب، تركاه مفتوحا كأن الأمل سيعود يوما ليستأذن الدخول.
لكن الأمل لا يعود حين يغادر بتلك الطريقة الهادئة، المكسورة.

يمشي بخطى خفيفة كمن لا يريد أن يوقظ الحنين.
في الخارج، كان الهواء أثقل من العادة.

السماء رمادية، والمدينة صارت بلا ملامح.
شيء ما انطفأ هناك،
كأن الحياة قررت أن تُعيد توزيع الأدوار،
وأن يوسف من اليوم سيعيش في الذاكرة فقط ..

في مكان ما، كانت أغنية إسبانية قديمة تمرّ خافتة من نافذة مفتوحة:
“Tú eres mi amigo del alma, realmente el amigo…”
(أنت الصديق الذي يسكن الروح… الصديق الحقيقي كما يجب أن يكون).

كان الصوت يشبه يوسف في هدوئه،
وكانت الكلمات تتسلل مثل اعتراف متأخر، كأنها تقول ما عجزت النظرات عن قوله.

لم يسمع أحد النهاية، لكن اللحن بقي هناك، يتردّد في الذاكرة،
كما يبقى الصديق بعد الوداع: … كجرحٍ لا ينزف، لكنه لا يلتئم أبدا.

السبب بسيط في ظاهره، عميق في جوهره،
الصداقة حين تُفقد، لا تموت مثل الحب…
بل تبقى حيّة في مكانٍ لا يمكن الوصول إليه.

حين يرحل الحبيب، يستطيع الإنسان أن يكرهه، أو ينساه، أو يعيد بناء نفسه ضده.
لكن حين يرحل الصديق، لا عداوة أو كراهية تبنى,
يبقى فقط فراغٌ ناعم، هادئ، مؤلم ..

وداعا يوسف …