الإنسان حين يختار الرحيل من هذه الحياة ..
لا يخرج كما يخرج من مقهى بعد قهوة سيئة، ولا كما يغادر مجلسا مليئا بالثرثرة.

هو يختار أن يغلق الكتاب من منتصفه، وهو يعلم أن هناك فصولا أخرى كانت تنتظره،
لكن الحبر نفد من قلبه قبل أن ينفد من الصفحات.

الناس من حوله يتساءلون: كيف فعلها؟ لماذا؟
بينما السؤال الحقيقي هو: كيف صمد كل هذه السنوات وهو يبتسم؟

كيف أقنعهم أن الحياة تسير بينما كان يجرّ نفسه مثل ساعة حائط توقفت عقاربها..

الرحيل هنا ليس انتحارا كما يسميه العالم، بل إعلان إفلاس من الاستثمار في هذا الكون.
استثمار في الوجوه، في الأحلام، في غدٍ لم يأتِ.
وكأن المرء يقول للحياة:
“أشكركِ على هذه التجربة، كانت مليئة بالمفاجآت مثل حقيبة سفر لشخص آخر… لكني أكتفي هنا.”

الغريب أن من يرحل لا يترك وصية غالبا،
بل يترك فراغا.
فراغا يعرف كل من يحبه أنه لم يُخلق ليمتلئ،
بل ليذكّرهم أن هذا الشخص كان هنا،
وأنه جاهد حتى النهاية،
ثم تعب.