كنت أقول دائما أن مدينة مراكش أذَتْني.
وأنها المدينة التي خنقتني ..
لكنّني كنت أكذب.

كنت أظنّ أن الأماكن تملك ضميرا، وأنها قادرة على العطف أو القسوة، لكن الحقيقة أن المدن محايدة كالمرايا: تعكس فقط ما نحمله في الداخل.

مراكش لم تكرهني يوما، هي فقط أعادت إليّ الصور التي لم أكن أحتمل رؤيتها.
أتذكّر تلك الليالي التي كنت أمشي فيها بلا هدف، أبحث عن مقهى جديد أو ضوءٍ مختلف.
كنت أظنّ أن المدينة تطاردني، لكنّها كانت تمشي بجانبي بصمت، تنتظر أن أهدأ.

حتى حين بكيت في زواياها، لم تضحك.
اكتفت بأن تتركني أنهار كما ينهار المطر على أرصفتها الساخنة.

واليوم، حين أعود إليها، لا أشعر بالغضب القديم.
أرى المدينة الآن بعينٍ أقل حقدا وأكثر امتنانا.

لم تكن مراكش هي التي أوجعتني، بل ما عشته فيها: غذر الأصدقاء، وثقل الأشياء التي لا تُقال.

الصلح مع المدينة يشبه الصلح مع الذاكرة.
والمدن، في النهاية، لا تؤذي أحدا.
نحن الذين نصلها مثقلين، ثم نلومها لأنها لم تحملنا.