استمعتُ الليلة إلى أغنية Hier encore لشارل أزنافور.
لا أعرف كيف يستطيع رجل واحد أن يغني بصوت يشبه تنهيدة العالم كله.

صوت لا يبكي، لكنه يجعل الآخرين يبكون بدلا عنه.
الأغنية ليست عن الحنين فقط، بل عن ذلك الإدراك القاسي الذي يأتي متأخرا: أننا لم نعش كما ظننا.

أن الأيام التي كنا نظنها تمهيدا للحياة… كانت هي الحياة نفسها.
يقول أزنافور في مطلعها:

Hier encore, j’avais vingt ans…
Je caressais le temps, et jouais de la vie…

(حتى البارحة فقط، كنت في العشرين من عمري، أُداعب الوقت وألعب بالحياة…)

تلك الجملة وحدها كافية لفتح كل النوافذ القديمة في القلب.
كأنها اعتراف من رجل جلس وحيدا ذات مساء،
واكتشف أن الشباب لم يذهب فجأة،
بل خرج بهدوء من الباب الخلفي،
وأنه لم ينتبه لأنه كان يضحك بصوتٍ عالٍ جدا.

ما يجعل الأغنية عظيمة ليس لحنها، بل صدقها.
الصدق الذي لا يملك دموعا ..
حين يقول:

Mes amis sont partis, et mes rêves sont flétris…
(أصدقائي رحلوا، وأحلامي ذبلت…)

لا يقولها بشكوى، بل بحكمة شخص تصالح مع الحياة.
ربما لهذا السبب، حين تُسمع هذه الأغنية في جنازة،
لا يشعر الناس بالحزن، بل بالامتنان.

كأنها تذكّرهم أن الحياة كانت جميلة، حتى في أخطائها،
وأننا جميعا سنغني يوما ما، بصوتٍ مرتجف:
“Hier encore, j’avais vingt ans…”