لا أعرف متى أصبحت المطارات مكاني المفضل،
ربما لأنني أشعر فيها أنها المكان الذي يعترف بغربتي.
هنا، لا أحد يسألني لماذا جئت،
ولا أحد ينتظر مني أن أبقى.
كل ما يُطلب منك هو تذكرة وهوية… والباقي اختياري.

كل شيء في المطار مؤقت،
ومع ذلك، يبدو كل شيء صادقا على نحوٍ لا يُصدق.
المغادرون يشبهون صفحات تُقلب بسرعة،
والعائدون يشبهون فصولا تعود متأخرة.

أما أنا، فأجلس بين الاثنين، قارئا بلا عنوان ثابت.
أحب المطارات لأنها تعني الوداع.
فلا أحد هنا يملك وقتا ليتشبث بأحد،
ولا أحد يملك رفاهية البكاء طويلا.

هناك دوما رحلة تقترب، أو موعد يتأخر، أو اسم يُنادى من مكبّر صوتٍ متعب.
الحياة كلها تحدث هنا:
نظرة، وداع، تنهيدة، ثم نسيان.

حين أجلس في المطار، أشعر أني أعيش أكثر مما كنت أعيش في المدن.
كل وجه يمرّ أمامي يحمل قصة.
امرأة تضع رأسها على حقيبتها وتنام بطمأنينة لا تملكها في بيتها،
رجل يحدّق في شاشة هاتفه كأنه يخاف أن تغادره الطائرة،
وطفل يسحب حقيبة أكبر منه، ويمشي بثقة كأنه يعرف إلى أين يذهب.
كم يشبه المطار الحياة: نتحرّك جميعا باتجاه مجهول،
ونتظاهر أننا نعرف الطريق.

في المطار، لا أحد يعرفني،
ولا أحد يحاول ذلك،
وهذا أجمل ما في الأمر.
إنها مساحة نادرة من الصمت الاجتماعي،
تُعامل فيها كإنسان قبل أن تُصنَّف بأي شيء آخر.
لا يهم من تكون، بل إلى أين تتجه،
وكأن المستقبل وحده هو جواز مرورك الحقيقي.

ربما أحب المطارات لأنها المكان الوحيد
الذي يمكنني فيه أن أكون بين هذه الأشياء.
بين حنينٍ لمكانٍ مضى، ورغبةٍ في مكانٍ لم أصل إليه بعد.

بين وداعٍ لم يكتمل، واستقبالٍ لم يبدأ.
إنها منطقة رمادية،
لكنها أكثر صدقا من كل الأماكن الملوّنة التي تركتها خلفي.

كلما أقلعت الطائرة، نظرت من النافذة وفكّرت:
كم مرة غادرتُ أشخاصا ظننت أني سأعود إليهم؟
وكم مرة وصلتُ إلى أماكن لم أنوِ البقاء فيها، ثم بقيت؟
المطار لا يعدك بشيء…
لكنه يذكّرك بشيء أهم:
أننا جميعا مسافرون،

ربما لهذا صرت أحب المطارات.
لأنها الوحيدة التي تقول الحقيقة دون أن تتكلم:
أن الرحيل جزء من طبيعتنا،
وأن البقاء، مثل الطائرة، لا يدوم إلا بقدر ما يكفي لتغيير الاتجاه.