جاء إلى المدينة صدفة،
كان يحمل حقيبة صغيرة.
قال إنها رحلة قصيرة، أسبوعان فقط، لزيارة قصيرة،
لكن المدينة أقنعته بالبقاء.
استأجر فندقا متواضعا في البداية،
ثم اشترى بيتا صغيرا.
شيئ ما أبطأ خطاه.
ربما كان البيت الصغير الذي وجد فيه سكينة،
أو الطريق الذي حفظ صوته،
أو صديقا التقاه صدفة… ولم يفارقه بعدها أبدا.
عاشا معا كما يعيش الإخوة الذين لم تلدهم أم واحدة.
مواعيد متشابهة، أحاديث قصيرة،
وعادات لا تحتاج إلى اتفاق…
كانا يذهبان إلى السوق،
يختلفان على نوع القهوة،
ويتصالحان أمام طبق المعكرونة.
كانا يكتفيان بنظرة، أو نصف ابتسامة،
ليعرف كلٌ منهما ما يدور في رأس الآخر.
مرت السنوات.. وفي يوم عادي…
عاد إلى البيت مرهقا،
قال إنه متعب قليلا…
تمدّد على الأريكة، وأغلق عينيه.
ولم يفتحهما بعدها.
في تلك الليلة،
كانت الأغنية التي تملأ المكان هي “Tears in Heaven”
لم يكن أحدٌ يعلم أن السماء كانت تتهيأ لاستقباله.
مرت الجنازة كالحلم،
بكاءٌ هادئ من المعارف والجيران.
الصديق ظلّ جالسا قربه لساعات…
لم يبكِ، لم يصرخ، لم يصدّق.
كان الصمت هو كل ما يملك.
وحين فُتحت الوصية،
كان اسمه هناك.
بعد أسماء الإخوة والعائلة…
كان اسمه الأخير في السطر.
بخط واضح.
لم يصدّق.
ظنّ أن الأمر تشابه في الأسماء،
لكن لا، كان هو.
مكتوب بخط دافئ واضح،
إلى جانب العائلة.
لم تكن الوصية تحتوي على مال كثير،
لكنها كانت تحتوي على أغلى اعترافٍ في الحياة:
“كنتَ عائلتي وأنا حيّ،
فأردتُ أن تبقى كذلك بعدي.”
ذلك المساء،
عاد إلى البيت،
جلس على الكرسي الخشبي،
وشغّل نفس الأغنية:
Would you know my name… if I saw you in heaven?
هل كنتَ ستعرف اسمي… لو رأيتك في الجنة؟
وحين مرّر يده على وجهه،
خانته دمعة,
وشيءٌ ما… تسرّب من عينيه دون استئذان.