كثير من زوّار مدونتي سألوني مؤخرا عن يوسف،
وعن سبب انتهاء صداقتنا،
الحقيقة أني ترددت طويلا في الإجابة.
ليس لأن القصة معقدة،
يوسف لم يكن مجرد صديق،
بل مرآة صغيرة رأيت فيها نفسي لوقت طويل.
يوسف كان يشبهني إلى حدٍ مؤلم.
شابّ مكافح، يحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم في هذا العالم المزدحم.
يبحث عن نقطة ضوء،
عن معنى يمنحه سببا ليبدأ من جديد كل صباح.
كان يرعى والدته وإخوته كما أفعل.
وكان بيننا شبه غريب:
في الصمت حين نتعب، وفي تلك الطريقة الغريبة التي نحاول بها أن نبدو أقوياء ونحن بالكاد واقفون.
لكن مع مرور الوقت، بدأت أرى ظلالا صغيرة على الجدار.
لم أفهمها أولا… ثم تمنيت لو أني لم أفهمها أبدا.
في أحد اللقاءات الأولى، حضر رجل إسباني حاول التقرّب مني بلطف لافت.
قدّمه لي يوسف على أنه مديره في العمل.
لاحقا، اكتشفت أنه أكثر من ذلك،
تلك التفاصيل الصغيرة لم تكن تؤذيني بقدر ما أربكتني.
كنت أرى أمامي شابا يشبهني،
لكنّه اختار أن يعيش في منطقة رمادية. تماما كما فعل صديق السكن السابق.
لم أكرهه.
في الحقيقة، كلما فهمته أكثر، تعاطفت معه أكثر.
يوسف لم يكن سيئا،
كان فقط خائفا، يبحث عن شيء لا يعرف اسمه بعد.
أما أنا، فكنت أبحث عن الصدق،
عن صداقة تقف على ضوء النهار دون أن تهتزّ.
وحين لم أجد ذلك،
فضّلت أن أغادر بهدوء.
ليس هروبا، بل احتراما لنفسي،
ولذكرى الصداقة التي كانت يوما أنقى ما في حياتي.
اليوم، حين أستعيد كل شيء،
لا أشعر بالمرارة.
بل بشيء يشبه الحنين الهادئ.
يوسف يشبهني،
وربما لذلك تماما،
كان عليّ أن أودّعه.
وإن قرأ هذه السطور يوما،
فليعلم أنني أتمنى له كل الخير،
وأن تشرق شمسه كما كنت أتمنى دائما أن تشرق في حياتنا معا.