كنتُ أسمع عنهما أحيانا من الجيران.
البيت ما زال مغلقا أكثر الوقت،
الستائر لم تُفتح منذ رحلت الأم،
والأخوان يخرجان نادرا،
كأنهما يعيشان في موسم لا يتغيّر.

حين وصلني خبر رحيل صديقي القديم، الشخص الذي كان يعيلهما،
توقفتُ للحظة، ثم أخذتُ نفسا كمن يدخل امتحانا كان يعرف موعده منذ زمنٍ طويل.

كنتُ أعرف أن هذا اليوم سيأتي.
طرقتُ الباب بخوفٍ بارد.
سمعت حركة خفيفة في الداخل، ثم فتح أحدهما الباب.
وجه شاحب، صامت، بعينين لا تستوعبان الحاضر.
قال: «تفضل… كل شيء كما تركوه.»

دخلت.
البيت ثقيل، والهواء راكد كأنه لم يتبدل منذ أشهر.
الطاولة عليها كأس شاي نصف ممتلئ،
وعلبة دواء مفتوحة بجانب صورةٍ قديمة للأم.

كل شيء في مكانه، كما لو أن ترتيب الأشياء آخر ما تبقّى لهم من طقوس الحياة.
الأخ الأكبر كان جالسا على السرير،
يحرك رأسه ببطء، كمن يتحدث إلى شخصٍ غائب.
يحدّق في الحائط، يغيّر القنوات كل دقيقتين،
ثم يطفئ التلفاز لأنه “لا يوجد شيء جديد”.

كأن العالم انتهى فعلا، لكن أحدا لم يخبرهم رسميا بعد.
جلستُ معهم دون كلام.
قدّمت لهم بعض الأكل الذي أحضرته معي،
جمعت الأدوية في مكانٍ واحد، رتّبت الفواتير،

ثم بقيت صامتا أستمع إلى ساعة على الجدار كانت تدقّ بلا اكتراث.
في تلك اللحظة شعرت أن التخلي عنهم سيكون خيانة لمن رحلوا،

حين هممت بالمغادرة،
مددتُ يدي لأصافح الأخ الأكبر،
كانت يده باردة، خفيفة كيد طفلٍ فقد طريقه.

قال لي بصوتٍ متعب: «لا تتركنا وحدنا.»
لم أستطع أن أجيبه بشيء كثير،
وضعتُ يدي على يده وقلت بهدوء:
«لن أترككم.»

لم يكن وعدا عابرا.
في اليوم التالي عدتُ ومعي ما استطعت:
بعض الطعام، أغطية جديدة،
رتبتُ لأحدهم موعدا في المستشفى، وساعدتُ الأخ الآخر على استخراج أوراق قديمة،
وحين جلسنا نشرب الشاي،
كان في الغرفة شيء يشبه الدفء يعود ببطء،
كأن الحياة تنتظر إشارة بسيطة لتبدأ من جديد.

منذ ذلك اليوم، صرت أزورهم كل خميس.
لا أحمل مع كل زيارة شيئا كبيرا،
أحيانا بعض الفاكهة، أحيانا حديثا صغيرا عن الطقس،
لكنني لاحظت أن أصغر الإيماءات تُحدث أثرا،
أن الأمل لا يحتاج كثيرا… فقط أن يسمع أحدهم طرق الباب.

غادرتُ البيت،
لكن شيئا فيّ بقي هناك،
يجلس معهم، يفتح النوافذ كل صباح، ليتأكد أن الحياة لم تنسَ الطريق إليهم.