في كل عائلة هناك شخصٌ يختصر الأخطاء كلها.
في عائلتنا، ثمة شخص.
كان الإدمان طريقه المفضل للهروب من نفسه.
أمي حاولت إصلاحه بالزواج.
فزوّجته بقريبة لنا.
لم يكن في القرار رحمة، بل جهل مغطّى بالنوايا الطيبة.
أنجب بنتين.
إحداهما مريضة بمرض وراثي نادر.
الطبيب قال إنها نتيجة زواج الأقارب.
لم يكن أحد في البيت يريد أن يسمع ذلك.
أمي بكت.
هو لم يقل شيئا. جهل وعدم إدراك بالحياة.
منذ سنوات وهو يعمل في مصنع حديد قرب مراكش.
التقيته هناك ذات يوم مع والدتي.
كان يرفع القطع الثقيلة بيدين متعبتين.
وجهه شاحب، عيونه مطفأة.
لم أتعرف عليه في البداية.
بكيت بعد اللقاء.
لم أكلّمه منذ سنوات.
لا رسائل، لا مكالمات.
أفكر أحيانا أن الحياة كانت ستكون أهدأ بدونه.
أن أمي كانت ستعيش أيامها الأخيرة بطمأنينة أكبر،
أن زوجته كانت ستعرف رجلاً آخر يستحقها،
وأن البنتين كان يمكن أن تولدا في بيتٍ مختلف،
كل ما حدث كان خطأ.
الزواج خطأ.
الإنجاب خطأ.
لا أكرهه، ولا أتعاطف معه.
لم أعد أبحث عن معنى أو حكمة في قصته.
يعيش معهما الآن، كظلّ ثقيل في بيت أنهكه التعب.
أحيانا ينقطع عمله لأشهر، فيبدأ بمراسلة معارف والدتي لطلب المال، القروض، المساعدة.
يحرجها، أرى أثر ذلك في وجهها، في الطريقة التي تخفي بها الهاتف حين يأتي إشعار.
أنا تبرّأت منه منذ زمن.
حين يراسلني لا أرد.
ولهذا السبب لم أزر بيت والديّ منذ أكثر من أربع سنوات.
ذلك البيت بالنسبة لي ميت.
أدخل إليه في ذاكرتي فقط، فأسمع أنفاس الخيبة في كل غرفة.
أمي ما زالت هناك، تزرع الوهم كعادتها، وأبي يشيخ ببطءٍ.
أفكر أحيانا في المستقبل، في احتمال أن تتغير الحياة ..
وأعرف يقينا أنه حتى لو اضطررت يوما للنوم في الشارع،
فلن أعود إلى ذلك البيت.
لأن العودة إليه تشبه النوم في قبر مفتوح.
أحيانا تكون النجاة أن تعرف أين لا تعود.
جملة بسيطة، لكنها تختصر كل الألم، وكل الوعي الذي خرجت به من حكايةٍ طويلةٍ لم تنصفني،
أكتب عنه اليوم لأني فكرت بما كان يمكن أن تكون عليه حياتنا لو لم يولد.
وهي فكرة قاسية، أعرف.
لكنها صادقة.
الرجل الذي أتحدث عنه…
كان أخي الأكبر.