كثير من الناس يبتعدون عن عائلاتهم،
ليس لأنهم بلا قلب،
بل لأنهم استنفدوا كل محاولات النجاة داخلها.

يبقون سنوات وهم يحاولون:
يُصلحون جدارا مائلا، يعيدون ترتيب الفوضى، يزرعون الطمأنينة في أرض لم تعرف السكون يوما.
ثم يكتشفون أن كل محاولاتهم لم تكن إلا محاولات لتجميل الخلل،
وليس لتغييره.

أحيانا تكون العائلة المكان الذي تتعلم فيه كيف تُحب،
وأحيانا تكون المكان الذي تتعلم فيه كيف تنجو من الحبّ نفسه.

الناس الذين يرحلون عن عائلاتهم لا يكرهونها،
بل يكرهون النسخة التي يصنعها الألم منهم حين يبقون هناك.

هم حين يرحلون، لا يبحثون عن مدينة جديدة، بل عن عائلة مختلفة،
عن بيتٍ لا يذكّرهم بما فشلوا في إصلاحه.

بعض الإخوة يشبهون الغربة، وبعض الغرباء يشبهون الطمأنينة.
وبين الاثنين، يقف كثير من الناس في المنتصف:
يحملون اللقب بلا دفء، ويحملون الذاكرة بلا حنين.

الذين يبتعدون عن عائلاتهم لا ينسونهم،
فتستطيع أن تحب والديك من بعيد،
وتسامح الجميع من بعيد.

من يبتعد عن عائلته لا يفعل ذلك في لحظة غضب،
بل بعد آلاف اللحظات الصغيرة التي جرّب فيها كل الطرق الممكنة للبقاء.
إنه قرار لا يشبه الهروب، بل يشبه إغلاق الباب الأخير بعد أن يتوقف القلب عن النبض.