من يزور مدينة تطوان شمال المغرب لأول مرة يظن المدينة تُجري تجارب سرية على الجينات:
شبان ببياض الثلج،
وعيونٌ زرقاء وخضراء كخليج مارتيل في صباحٍ غائم،
ووسامة تجعل المارَّة يشكون أن هناك قانونا صارما لا يسمح إلا بالوجوه الجميلة.
لكن الحقيقة أبسط، وأجمل، وأشدّ رومانسية من ذلك.
تطوان هي ابنة الأندلس المدلّلة.
بعد سقوط غرناطة سنة 1492،
تدفّقت آلاف العائلات الأندلسية إلى شمال المغرب.
بعضها كان ذو ملامح فاتحة:
عيون ملونة، بشرة بيضاء، شعر حريري…
وخاصة العائلات القادمة من الشمال الشرقي للأندلس.
وصلوا إلى تطوان،
وجدوا الجبال تشبه جبالهم،
والبحر يشبه البحر،
فقالوا:
هنا سنبدأ من جديد.
وتزوجوا، واختلطوا،
وتركت ملامحهم بصمة لا يمكن إنكارها حتى اليوم.
تطوان، بخلاف مدن المغرب الكبرى،
لم تختلط كثيرا خلال القرون الماضية بالهجرات القادمة من الجنوب أو الشرق.
ظلت مدينة صغيرة، مغلقة قليلا،
تحرس ذاكرتها مثلما تحرس بيوتها البيضاء.
وهكذا بقيت الملامح الأندلسية والإسبانية
واضحة، نقية، حاضرة
كأنها صورة عمرها خمسمئة عام.
أهل المدينة يقولونها بمزيج من الخجل والفخر:
“تطوان معروفة بالجمال.”
ليس جمال شكلي فقط،
بل نوع من الرقة في الملامح والهدوء في النظرات،
والنُبل الذي تشعر أنه جاء مع العائلات الأولى
التي عبرت البحر المتوسط.
شباب تطوان ليسوا “طفرة جينية”،
ولا نتيجة وصفة سرية موجودة في سفح جبل درسة.
إنهم ببساطة:
نتيجة ألف سنة من العبور بين ضفّتين.
دمٌ أندلسي
اختلط بدمٍ إسباني
ثم حمله البحر
فسكن شمال المغرب
وبقي هناك.
ولهذا، حين تمشي في تطوان،
وتصادف شابا بعيون زرقاء وملامح رجولية،
تذكّر أن أمامك ليس مجرد وجه وسيم…
بل صفحة كاملة من كتاب الأندلس
ما تزال مفتوحة حتى الآن.