في تطوان، لا تحتاج أن تبحث عن التاريخ في المتاحف.
مقهى بيروت…
اسمٌ جاء من بعيد، لكنه استقر في قلب المدينة كأنّه كان هنا منذ البداية.
حين تجلس فيه، تشعر أن الهواء يحمل شيئا من حنين المدن البعيدة،

وأن الضوء الضعيف المتسلل من النوافذ
يشبه يدا حانية تربت على كتف يوم مُرهق.
أما المقاهي التي تحمل أسماء إسبانية،
فهي أشبه ببطاقات بريدية نجت من سفرٍ طويل.

أسماء تتردد بصوت خافت على الواجهات،
كأنها تذكّر المدينة بأن نصف ذاكرتها لا يزال في الأندلس،

في هذه المقاهي، القهوة تُقدَّم ببطء،
الوجوه لا تتغير كثيرا؛
الناس هنا يشبهون المقاعد الخشبية:
يتقادمون معا،
ويتركون أثرا دافئا في المكان.

في زاويةٍ ما، شخصٌ يكتب رسالة لم يجرؤ على إرسالها،
وآخر ينتظر شيئا لا يعرف اسمه،
وثالث يحدّق في الشارع كما يحدّق المرء في حلم نسيه.

تطوان مدينة لا تحكي كل ما تعرفه.
تترك لنا دائما ما يكفي من الضوء لنصدّق أن بعض الأماكن لا تموت…
بل تتحوّل إلى ذاكرة مشتركة،
نمرّ بها كمن يزور قلبه مرة أخرى ..