الليلة سألني الشاب التطواني:
“أين كنت تقيم قبل أن تنتقل إلى الشمال؟”
كان السؤال بسيطا…
من النوع الذي يُطرح عادة أثناء شرب الشاي،
ثم أضاف، وهو ينظر إليّ نظرة ثابتة لا تُجيد الكذب:
“كنحسّ أنني شفتك من قبل… ملامحك مألوفة.”
ابتسمتُ ابتسامة الشخص الذي يعرف أن الماضي ليس قابلا للشرح،
لكن مقدّرٌ عليه أن يشرحه على أي حال،
قلت له:
“كنت عايش في مدينة أخرى… في بيت آخر…”
ولم أكن أنوي أن أحكي أكثر.
لكن الشاب كان ينظر إليّ كمن يقول:
“تكلم… ”
فتكلّمت.
أخبرته باختصار، الاختصار الذي يجرح لأنه يخبئ الكثير،
أخبرته أنّ ذلك البيت كان يشبهني…
ثم قلت له الجملة التي لم أكن مستعدا لسماعها بصوتي أنا:
“وفي الأخير… وجدت نفسي خارج البيت.
خارج الحياة التي بنيتها”.
كان الشاب يستمع بلا تعليق،
بذلك الهدوء الذي يجعل الكلمات الثقيلة أخفّ قليلا.
وفي نهاية الحديث،
لم يربّت على كتفي،
ولم يقل الكلمات السهلة التي يقولها الناس حين لا يعرفون ماذا يقولون.
رفع عينيه إليّ ببطء،
ثم قال بهدوء:
“الجدران تُعوّض…
لكن الإنسان الذي يشبهك،
لا يُعوّض.”
لم تكن الجملة حزينة.
كانت عزاء…
يسير على مهل،
ويستقرّ في مكان ظلّ فارغا داخلي مدة طويلة.
ولسبب ما،
شعرتُ لأول مرة أن الباب الذي أُغلق في وجهي ..
كان يمنحني، في الجهة الأخرى، نجاة لم أكن أملك الشجاعة لرؤيتها..
جملة بسيطة،
لكنها انزلقت داخلي،
كأنها تضع نهاية لفصل،
كنت أظنّ أنه بلا نهاية.