في الأربعين… نكتشف أن الحياة ليست سباقا بل مقهى صغير في آخر الزقاق.
في الأربعين، لا يحدث انقلاب درامي في حياتك.
لا تستيقظ فجأة وقد صرت حكيما، ولا تكتشف أنّك كنت مخدوعا نصف عمرك.

الأمر أبسط من ذلك، وأغرب.
تستيقظ يوما… وتجد أنّ الأشياء التي كنت تطاردها مثل الوظائف المرموقة، المقاهي التي تعلّق نباتات مزيفة في السقف، المحلات التي تبيع قميصا بسعر إيجار شقة، لم تعد تحرّك فيك شيئا.

تماما لا شيء.
كأنها إعلان قديم مرّ أمامك ألف مرة، وتوقّف دماغك عن رؤيته.

في الأربعين، تتغير الحاسة السادسة:
حاسة “ما الذي يستحق أن أخرج من البيت لأجله؟”

وتقلّ الخيارات بشكل درامي…
فجأة يصبح أفضل مكان في العالم هو مقهى شعبي في زقاق ضيّق:
جلساته بلا ديكور، كؤوسه تُصدر صوت احتكاك يذكّرك بمختبر كيمياء في التسعينات، ولكنك تشعر فيه براحة لا يقدمها لك أي “لاونج” فيه شلال صناعي.

وهنا المفارقة:
لا أحد يعترف أن المقهى الشعبي لم يتغير.
نحن الذين تغيّرنا.

صرنا نختار ما يعاملنا بلطف… لا ما يعاملنا بانبهار.

لم نعد نحتاج إلى “أماكن تُشبه الحياة التي نطمح لها”.
صرنا نبحث عن أماكن تتحمل الحياة التي عندنا فعلا:
ضيق الوقت، التعب المتراكم، الرغبة في كرسي مريح أكثر من أي إنجاز.

في الأربعين، الجلوس على كنبة متهالكة يصبح أهم من الذهاب إلى “أرقى مكان في المدينة”.
والضوء الأصفر الدافئ ينتصر أخيرا على أضواء LED التي تلمع.

ليس لأننا أصبحنا حكماء…
بل لأننا تعبنا من التمثيل.
مللنا محاولة إقناع العالم بأننا نعيش حياة رائعة.

وأدركنا فجأة أن الحياة الرائعة هي التي لا تحتاج لشرح.
في الأربعين، لا نكبر.
نعود فقط إلى نسخة أكثر بساطة، نسخة كانت موجودة دائما، لكنها كانت مشغولة جدا في إرضاء الآخرين.

واليوم؟
يكفينا كرسي بلا ظهر، وقهوة سوداء مرة، وزقاق ضيّق لا يمر فيه أحد يسأل:
“هل خذت صورة للمكان؟”.