هناك نوع من القلوب تطمئن أكثر حين يهبط أمامها وجه غريب، ولهجة لا تفهمها تماما، ورائحة مدينة لم تطأها من قبل.
قلوب لا ترتاح لل “مألوف”، بل تضيء حين يدخل في حياتها شخص يبدو وكأنه خرج للتوّ من خريطة أخرى.
يسمّون ذلك في الكتب الإنجليزية: Xenophilia.
أما في حياتنا اليومية فهو تلك السعادة الخفيفة التي تشعر بها حين يتحدث أحدهم بلغة ليست لغتك،
وذلك الفضول الغريب الذي يجعل سؤالا صغيرا مثل:
“من أين أنت؟”
يبدو أكبر من حجمه، كأنه بداية فصل جديد في رواية طويلة.
الشخص الغريب يلمع أكثر.
كأن المسافة تضيف إليه الدهشة،
وكأن المدن البعيدة تضع على أصابعه شيئا يشبه السحر.
نقول لأنفسنا:
“إنه مجرد إنسان…”
لكن القلب يردّ بهدوء:
“نعم… لكنه جاء من مكان لا أعرفه.”
ولعلّ أجمل ما في حبّ الغرباء أنه يذكّرنا بأن العالم أوسع من غرفتنا،
وأكبر من عاداتنا،
وأرحب من فكرة أننا “عشنا كل شيء”.
ربما لم يكن الغريب هو ما نبحث عنه حقّا…
بل ذلك الجزء منّا الذي يتذكّر أنّه ما زال حيّا بما يكفي ليندهش.
وحين ننجذب إلى وجه قادم من بعيد، فنحن في الحقيقة ننجذب إلى احتمالٍ جديد للحياة…
احتمالٍ لم نجرّبه بعد.
ولهذا، يبقى الغريب مرآة صغيرة نرى فيها أنفسنا كما كنّا نرجو أن نكون:
أكثر جرأة، أكثر انفتاحا… وأكثر قدرة على البدء من جديد.
88