لم يكن الفراق دراميا.
لم يحدث شيء فوق العادة عند الباب.
فقط “تهلّى فراسك”، وابتسامة قصيرة تحمل بقايا ما حدث.

لكنه حين نزل الدرج، شعرت أنّ شيئا في الجو لا يزال معلقا، شيئا لم يقل كلمته بعد.
أغلقت الباب ورائي وبقيت واقفا للحظة، أتنفّس نفسا أعمق مما يجب، كأن جسدي لا يزال يحاول استيعاب ما جرى.

دقائق قليلة فقط، ثم اهتز هاتفي.
رسالة منه.
“وصلت.”
كان يمكن أن تنتهي هنا. لكنها لم تنتهِ.

بعدها بثوانٍ جاءت الرسالة الثانية، ثم الثالثة، كأنّه لم يستطع أن يسمح للصمت بأن يأخذ مكانه.
كتب لي بنبرة تشبه همسا آخر متبقيًّا من الليل:
“ما بغيتش نمشي… صراحة.”

ثم بعدها، بلا تردد:
“كنت غير باغي نشوف التبان ديالك… ما نكدبش.”

كنت أقرأ الجمل وأتخيله جالسا في سيارته، أو عند باب عمارته، غير قادر على الدخول مباشرة… كأنّ جسده سبقَه إلى البيت لكن عقله لا يزال عندي.

أرسل رسالة أخرى بعد دقيقة:
“ما عرفتش كيف نقولها… ولكن كان خاصني نبقى معاك شوية أكثر.”

كانت الرسالة قصيرة، لكنها حملت أكثر مما تُظهره.
الرغبة التي حاول كتمها حين كان بجانبي، ظهرت هنا بشكل أبسط، أنقى، بلا أي تمثيل.

لم يطلب شيئًا كبيرًا، لم يفتح الباب لنقاش طويل، فقط فكرة واحدة ظل يعيدها بلغات مختلفة:
أنه كان يتمنى لو رأى التبان…
ولو لم يغادر بتلك السهولة.
ثم كتب أخيرا، بعد صمت قصير:
“ما شي ضروري نقول… ولكن هاد الشي كامل حسّيتو بصدق.”

وحين قرأت الجملة، شعرت أننا ما زلنا في تلك الليلة، رغم أنّ المسافة بيننا صارت أكبر.
كأنّ الرسائل كانت امتدادا لما حدث…
لحظة هادئة بعد العاصفة، يعترف فيها كلّ واحد بشيء لم يستطع قوله حين كان قريبا.

أغلقت الهاتف، وبقيت جملة واحدة عالقة في رأسي:
أنه لم يطلب جسدا، لم يطلب أكثر مما نعيشه…
كان يريد تفصيلة واحدة صغيرة — تبان — لكن خلفها كان يريد شيئا آخر تماما:
الاقتراب… القرب الذي لم يكمله الليل.